الاثنين، 21 يناير 2013

خمسينية السينما الجزائرية


 
بعد خمسين سنة من الاستقلال، سارع الكتاب و المدونون لتقييم شامل لمختلف الميادين سواء السياسية، الاقتصادية، و حتى الثقافية لكن لم يكترث الكثيرين لحال السينما الجزائرية خلال نصف عقد من الاستقلال.
كلنا نعلم أن السينما الجزائرية لها مكانتها العالمية، فهي الوحيدة التي فازت بالسعة الذهبية لمهرجان "كان" عن فيلم "وقائع سنين الجمر" لمحمد لخضر حمينة سنة 1975، و رشحت لجوائز الأوسكار عن فيلم "خارجون عن القانون" لرشيد بوشارب، لكن أغلب المقالات المنشورة و الدراسات المطبوعة تتحدث عن ارتداء السينما الجزائرية لعباءة الثورة رغم ما تملكه من مواهب و إمكانات قادرة على بلورتها إلى مشاريع سينمائية و أفلام مميزة.   

المرحلة الذهبية

ربما يجهل الكثيرين ان السينما الجزائرية رغم قصر عمرها لكنها عاشت مرحلتها الذهبية بين سنتي 1970 إلى 1980، حيث قدم التلفزيون الجزائري للمشاهدين حوالي50 عملا سينمائيا، وكانت هذه النهضة السينمائية هي التي توجت الجزائر بجائزة السعة الذهبية، لكن خلال هذه المرحلة لعب التلفزيون الجزائري دوريا أساسيين هما:
1.     الدعم: الدعم المالي بالمقام الأول حيث وفر التلفزيون الجزائري ميزانية ضخمة لمضاعفة الإنتاج و تحسين الصورة و تكوين المنتجين و المخرجين، و كانت هذه التعديلات على طريقة التحضير و التقديم جعلت يومها السينما الجزائرية تحس بذاتها و تتمتع بأيام مجدها، فالعديد من الأفلام رأت النّور و الكثير من الممثلين و المخرجين من أستطاع تحقيق الشهرة و الوصول إلى العالمية.
2.     التسويق: في الواقع يجد المخرج نفسه في ورطة حين يعجز عن تسويق فيلمه، لكن التلفزيون الجزائري خفف هذا العبء حيث تكفل بشكل كامل لعملية التسويق و الإعلانات، بحيث استغل قيمته في الشارع الجزائري في غياب القنوات الفضائية يومها و استطاع الوصول إلى أغلب البيوت الجزائرية و إعلامها بمجموعة الأفلام الجديدة و التي تعرض في دور العرض.

المرحلة السوداء  

لن تخفى على احد أن الجزائر بدأت تفقد هياكلها بداية من 1990، حيث انعكست المشاكل السياسية على باقي المجالات كالاقتصاد و الفن، السينما يومها عاشت كباقي الميادين ويلات الحرب الأهلية و الدمار الذي طال أقطار الوطن، لهذا فهذه المرحلة حطمت السينما الجزائرية بسبب إفلاس التلفزيون، و الهجرة الجماعية للفنانين و المخرجين إلى أوروبا و بالضبط فرنسا، التي استفادة من هذه الأزمة و استطاعت استقطاب أعمدة السينما الجزائرية، لكن ويلات هذه المرحلة السوداء لم تزول بعد لحد اليوم لأننا اليوم لم نعد ننتج إلا القليل، و إذا كنا نبحث عن المسئول عن فشل المشاريع الإصلاحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة فسنتهم وزارة الثقافة لأنها صارت الراعي الرسمي و الوحيد للمشاريع السينمائية اليوم، و هذه الوزارة خلال سنة 2012 لم تقدم إلا فلمين هما  "يمــا" لجميلة صحراوي  و "زبانا"  لسعيد ولد خليفة، مع مواصلة التخبط بخصوص مشروع فيلم "الأمير عبد القادر" الذي خصصت له ميزانية خيالية، لكن بدون الفيلمين المذكورين لم تقدم السينما الجزائرية الجديد و بقيت مرتدية لعباءة الثورة في خمسينية استقلالها. 

الكوميديا

ربما نتساءل لماذا تتمسك السينما الجزائرية بالثورة؟ هل يوجد البديل؟ في الواقع، نعم ، يوجد البديل فالكوميديا كانت مميزة في العصر الذهبي للسينما الجزائرية، فالكثير من الأفلام الكوميدية التي صارت خالدة و مميزة لكل الأجيال كفيلم "رحلة المفتش الطاهر"  ببطولة الحاج عبد الرحمان و "كرنافال في دشرة" ببطولة عثمان عليوات، صالح أوقرت و لخضر بوخرصة،و هنالك الكثير، لهذا فتنشيط الكوميديا الجزائرية ضروري، فغياب غزارة الإنتاج قلص من المساحة الكوميدية و دفن الكثير من الفنانين الكوميديين، فرغم محاولة التلفزيون الجزائري إعادة الكوميديا إلى سابق عهدها ببعض المسلسلات الرمضانية لكنها فشلت في إعادة تلك الشريحة الواسعة لكن هذا لا يدفعنا لنكران النجاح الذي حققه المسلسل الكوميدي "جمعي فاميلي" ببطولة جمال بوعكاز و الكثير من الوجوه المعروفة  الذي أعاد و لو القليل من روح الفن الكوميدي و حتى فتح القنوات الخاصة زاد من كمية الإنتاج الكوميدي، فالشروق tv مثلا أعادت سلسلة "الحاج لخضر" التي حققت نجاحا منقطع النضير منذ سنوات، لكن الإهمال هو الذي حال دون استكمال هذه السلسلة الفكاهية الراقية.

الآفروجزائري (ة)

الآفروجزائر (ة) تطلق على الجزائريين الفرنسيين ألمزدوجي الجنسية، حيث أصبح هؤلاء يشكلون قوة في كل المجالات حيث استطاعت الجزائر الاستفادة من خدماتهم في الكثير من المجالات خاصة الرياضية منها، فالكثير من اللاعبين المتخرجين من المدارس الكروية الفرنسية اليوم يتقمصون الألوان الوطنية، لكن في السينما لا يختلف الأمر كثيرا فالمخرج العالمي "رشيد بوشارب" صاحب رائعة "خارجون عن القانون" هو آفروجزائري فضّل الجزائر على فرنسا، و ليس هو الوحيد فهنالك المخرج "ندير مخناش" و الممثل بوزيد و الكثير من الأسماء الكبيرة التي تعمل اليوم من اجل تقديم سينما جزائرية راقية متطورة منافسة في المهرجانات العالمية، لهذا فالاهتمام بهذه الشريحة الفريدة من نوعها ضروري لأنهم خريجي مدارس أوروبية كبيرة و يملكون رؤى واسعة و ما علينا سوى توفير لهم الدعم المالي و المعنوي لدفع السينما الجزائرية أكثر فأكثر إلى العالمية.

لكن في العموم رغم مرور خمسين سنة من السينما بحلوها و مرها فلليوم مازلنا متفائلين بالغد، و مؤمنين أننا قادرين على إعادة الزمن الجميل فصدق من قال"ما تبدو لنا تجارب مريرة .. غالباً ما تحمل في طياتها نعمٌ وفيرة" .