الثلاثاء، 8 مايو 2012

طاغـــــــور ....... من الدواوين البنغالية إلى نــــــوبل و العالمية





بعد 70 سنة و بضعة اشهر عن رحيله، مازالت قصائده تحكي عن عشقه للطبيعة البنغالية، فتصف تعلقه الكبير بالموسيقى و الرسم، و حبه اللامنتهي للرواية و الشعر و الفلسفة، هو بكل بساطة اعظم شاعر من القارة الآسيوية، الذي اول الدواوين البنغالية إلى العالمية، هو الراحل " روبندرونات طاغور".


البـــــــــداية



ولد طاغور في سنة 1861 و بالتحديد في السابع من شهر مايو في مدينة تاكوتا بالهند، هو من اسرة تنتمي إلى الطبقة الكهنوتية، من أب اشتهر بمكانته المرموقة و اصلاحاته في ميادين عديدة كالاجتماع و الدين و نشاطه الواسع في السياسة، و من أمّ أمية انجبت 12 ولدا و بنتان، فكان طاغور هو الرقم 13 في العائلة، عرفت عائلة طاغور بالمال و الجاه التي ورثته عن جدهم الاكبر، لكن طاغور في سن مبكرة اظهر ميوله للأدب و الفنون، و هذا ما لاحظه معلمه الشخصي العالم "دفيجندرانات" الذي كان كاتبا مسرحيا و شاعرا، فعمل على صقل موهبته مبكرا، كما أن طاغور لم يكتفي بدراسة مختلف العلوم و الفنون بل تعلم لغته الام (اللغة السنسكريتيه) و اظهر قوته في رياضة الجو دو، و هذا ما دفع معلمه بالتنبؤ له بمستقبل زاهر.


النضوج الفكري و بالبلوغ العقلي 

لم يذهب طاغور كباقي الاولاد إلى المدرسة في صغره، لأنه كان يدرس في البيت على يد العديد من العلماء من بينهم "دفنيجندرتات"، لكن ببلوغه سن الثامنة بدا يكتب القصائد الشعرية، حتى أرسله والده في سن السابعة عشر إلى المملكة المتحدة لإكمال دراسة الحقوق، فاستغل طاغور تواجده في المملكة لدراسة اللغة الانجليزية، لكنه لم يكمل الدراسة و عاد إلى الوطن بسبب اشتياقه للأهل و العنصرية التي تلقاها من الانجليز كغيره من الهنود و البنغاليين في تلك الفترة.
بعد عودته، شعر والده ببلوغه و نضوجه الفكري نضرا للاحتكاك المباشر مع الانجليز و التعرف على الثقافة الغربية المعاصرة التي ادهشته، فزوجه سنة 1883 وهو في الثانية و العشرين من عمره، من فتاة تدعى "مرينا ليني" التي كانت لا تتجاوز 10 سنوات، و لهذا رفض طاغور فكرة الزواج في الاول، لكن العائلة ضغطت عليه باسم العادات و التقاليد، فـأنجب منها لاحقا و لدين و ثلاثة بنات، و هذه التجربة اشعرته بالسعادة الفائقة فقال في احد داوينه:

لقد هلت الفرحة من جميع أطراف الكون لتسوي جسمي

لقد قبلتها اشعة السماوات، ثم قبلتها حتى استفاقت إلى الحياء

إن ورد الصيف المولي سريعا قد ترددت زفراته في انفاسها

وداعبت موسيقاي الاشياء كل اعضائها لتمنحها إهاب الجمال

توفيت زوجته و ابنه و ابنته ثم والده في فترات متلاحقة مابين 1902 و 1918 و هذه المآسي ادخلت طاغور في دوامة من الحزن لسنوات طوال، و تركت في قلبه حرقة لم يستطع اطفائها لا الدهر و لا حتى نعمة النسيان.


أعماله الادبية و الفنية

يعتبر نهر "بادما" في بنغلادش الملهم الاول لطاغور الذي قضى فيه عدة سنوات على قارب خشبي، استطاع خلال هذه المدة التقرب من الفلاحين و مقاسمتهم تعاستهم و فقرهم و المعانات التي تلاحقهم منذ عقود، فكانت المناظر الطبيعية الممزوجة بالنسيم الآسيوي المنعش هو ابز عنوان لقصائده الشعرية و رواياته النثرية، فكتب على ضفاف نهر بادما الكثير من أغانيه الرومانسية الدواوين الممتعة منها: سونار تاري و القارب الذهبي، و بعض المسرحيات كتشيتشر التي جسدت الصورة المتكاملة للريف البنغالي و الحياة البسيطة التي جمعت اهله، بالإضافة إلى الظروف الطبيعية القاسية التي تواجه سكانه، و التحديات التي دفعت اغلب الناس لهجره في مطلع القرن العشرين.
لكنه في العموم كتب حوالي 25 مسرحية طويلة و قصيرة، و ثماني مجلدات قصصية و ثماني روايات متنوعة، إضافة إلى عشرات الكتب و مئات المقالات المختلفة من فلسفة و سياسية، كما أنه ألّف حوالي الفي اغنية منها اغنيتان اصبحتا في بعد النشيد الوطني لبنغلادش و الهند، و لا ننسى أنه في نهاية عمره و بالتحديد في سنه الستين اصبح يزاول هواية الرسم، فرسم الكثير من اللوحات وعرضها في العديد من المعارض اهمها معرض باريس، وهو الذي قال عن الرسم "عندما بدأت ارسم لاحظت تغييرا كبيرا في نفسي".


فكره المناهض 



تميز طاغور بفكره المناهض للعنصرية و الكراهية، فهو اول بنغالي ينبذ التعصب الديني في الهند و تجلى هذا في روايته بعنوان (جورا)، التي فضحت التعصب الهندوسي اتجاه المسيحية و اليهودة و باقي الديانات السماوية، و كلفته هذه الرواية الهجرة إلى انجلترا حفاظا على روحه من همجية بعض المتطرفين الهندوس، كما أنه تصادم مع الزعيم الروحي الهندي "غاندي" الذي وضع بساطة كسلاح ضد الاستعمار الانجليزي، و هذا ما رفضه طاغور و اعتبره تسطيحا بقضية المقاومة و اجهاضا ممنهج لها، كما أن طاغور هو من نادى بحب الجماعة على حب الفرد و كانت هذه النظرية من تجربته الشخصية بعد فقدان امه و زوجته و ابنيه ثم واحده في عشر سنوات فقط، و ه الذي خلع وسام الفارس الذي منحه اياه ملك بريطانيا جورج الخامس كردة فعل له على ابادة 400 هندي من طرف الجيش الانجليزي.


العالمية

كانت سنة 1912، هي سنة العالمية بكل معنى الكلمة، ففي هذه السنة سافر طاغور في رحلة بحرية إلى انجلترا، و في اثناء الرحلة ترجم أحد دواوينه الشعرية إلى اللغة الانجليزية من باب المتعة فقط، و التي كانت بعنوان (جينتجالي)، و عند وصوله إلى لندن عرضها على صديقه "روثنستان" الذي اعجب بها اعجابا كبيرا فأخذها مباشرة إلى الشاعر الكبير" دبليو بيتس" الذي ابهر بها فقام مباشرة بتنقيحها و كتابة مقدمتها بنفسه، و عند اطلاقها، بيعت بسرعة كبيرة نظرا لروعة كلماتها و جمالها الروحي الصوفي البنغالي، الذي يصف اسلوب عيش الهنود بتقاليدهم و اعرافهم المتنوعة و ثقافتهم الآسيوية المستوحاة من الطبيعة و التضاريس الجبلية، و هذه الدواوين هي التي دفعت طاغور لنيل جائزة نوبل سنة 1912 و وسام الفارس من الملك البريطاني جورج الخامس، وهو يعتبر أول شاعر اسوي ينال جائزة نوبل في التاريخ.


النهاية

كانت نهاية هذه الرحلة المليئة بالانجازات الشخصية، و الابداعات الشعرية و النشرية، في شهر اغسطس سنة 1941 بعمر يناهز 80 عاما و في مسقط راسه في تاكورتا.
فهو من قال"لا تستطيع أن تقلع عبير زهرة حتى ولو سحقتها بقدميك" و هكذا نحن نقول له أن اعمالك مازالت شاهدة عليك ولو سحقها الدهر.

  
   

  

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق